June2010Banner


بيضةٌ بليرةٍ ذهبيةٍ

كانَ الأبُ مصطفى يملكُ دارةً كبيرةً، لهَا حديقةٌ واسعةٌ، محاطةٌ بسورٍ مرتفعٍ، وقدْ بُنيتْ في زاويتهَا غرفةٌ صغيرةٌ للناطورِ، وكانَ مصطفَى حزينًا، لأنَّ أبناءهُ الثلاثة كانُوا يضيعونَ أوقاتهم في لعبِ الورقِ «الكوتشينة»، فلا يقرؤونَ، ولا يهتمونَ بالكتابِ، فقررَ، في نفسهِ، خطةً تنقذهم ممَّا هم فيهِ، وتحولهم إلى عناصرَ فعالةٍ في المجتمعِ، تعملُ فيهِ بشكلٍ إيجابيٍّ، وتكونُ عناصرَ مفيدة.

جاءَ مصطفَى يومًا إلى الدارةِ وهوَ يحملُ في يدهِ ثلاثَ دجاجاتٍ وديكًا، فتلقاهُ أولادهُ بالترحابِ، وقالَ الأبُ: جئتكم بأمرٍ طريفٍ، فليخترْ كلُّ واحدٍ منكم دجاجةً، واحتارَ الأولادُ منْ طلبِ والدهم، وراحُوا ينظرونَ إلى وجههِ، وأعادَ الأبُ الطلبَ، فتقدَّمَ الأولادُ، وانتقَى كلُّ واحدٍ منهم دجاجةً. وبعدَ ذلكَ دفعَ الأبُ الديكَ إليهم ثمَّ قالَ: هذهِ الدجاجاتُ مخصصةٌ لكلِّ واحدٍ دجاجتهُ، وهذَا الديكُ لدجاجاتكم جميعًا، وأنَا سأعدكم بشيءٍ إنْ اعتنيتم بدجاجاتكم، فإنَّ هذهِ الدجاجاتِ ستبيضُ الواحدةُ في كلِّ يومٍ بيضةً، فإذَا بلغَ بيضُ الدجاجِ مئةَ بيضةٍ، فسأدفعُ لصاحبِ البيضةِ المئة ليرةً ذهبيةً.

أصبحتِ الآنَ للأولادِ هوايةٌ جديدةٌ وعنايةٌ خاصةٌ، فهمْ يتناوبونَ العنايةَ بالدجاجِ، فهذَا يضعُ الماءَ للدجاجِ، وذاكَ يقدِّمُ الحَبَّ لهَا، وآخرَ ينظفُ الخمَّ «القنَّ» ويزيلُ الأوساخَ، وكانَ الأولادُ يقفونَ أمامَ القنِّ مسرورينَ بمنظرِ الدجاجاتِ، لا سيمَا منظر الديكِ الذِي كانَ يفخرُ بنفسهِ، ويختالُ، ويصيحُ مادًا رقبتَهُ إلى الأمامِ، وعُرْفهُ الأحمرُ كالقبعةِ على رأسهِ، فإذَا وجدَ حبةً منْ قمحٍ، وقفَ أمامهَا وراحَ يُصدرُ أصواتًا تعرفهَا الدجاجاتُ، فتسعَى إليهِ، فيشيرُ إليهَا بمنقارهِ لتأخذَ الحبةَ وتأكلهَا. أمَّا المتعةُ الكبيرةُ للأولادِ فكانتْ عندَ الفجرِ حينَ ينطلقُ الديكُ صائحًا بصوتهِ الجميلِ، فيوقظهم لصلاةِ الصبحِ.

كانَ الأولادُ يومًا يشاهدونَ الدجاجاتِ فوجدُوا واحدةً منهَا باركةً علَى الأرضِ تبدُو مُجهدةً، فخشوا أن تكونَ مريضةً، ووقفُوا يرصدونهَا للاطمئنانِ عليهَا، وبعدَ فترةٍ بسيطةٍ قامتِ الدجاجةُ وهي تنقُّ وتصيحُ، وإذَا بينَ رجليهَا بيضةٌ بيضاءُ. قالَ محمودُ: الآنَ فهمتُ. لقدْ كانتِ الدجاجةُ تبيضُ، وهذهِ البيضةُ هي فاتحةُ الحصولِ على ليرةٍ ذهبيةٍ.
وهكذَا، فإنَّ الدجاجتينِ الأخريينِ لحقتَا بأختهمَا، إذْ بدأتَا البيضَ، وهكذَا فقدْ كانَ الأولادُ يحصلونَ كلَّ يومٍ علَى ثلاثِ بيضاتٍ، فمَا مضَى شهرٌ حتَّى كانَ لدَى الأولادِ مئةُ بيضةٍ، ووضعَ الأولادُ البيضَ في وعاءٍ منَ القشِّ، وحينَ حضرَ الأبُ ظُهرًا تقدمَ الأولادُ منْ أبيهم، فقبَّلُوا يدَهُ وقدمُوا لهُ البيضَ.

سُرَّ الأبُ سرورًا عظيمًا وقالَ لأولادهِ: أحسنتم يَا أولادِي، فهَا أنتم أصبحتم عناصرَ مفيدةً ومنتجةً في المجتمعِ، وهاكمُ الليرةَ الذهبيةَ التي وعدتكم بهَا. وهي أولُ كسبكم، فحافظُوا عليهَا. والآنَ، هلْ تعلمونَ ماذَا عليكم أنْ تعملُوا؟ وتعلقتْ عيونُ الأولادِ بأبيهم ينتظرونَ كلامَهُ. وأتمَّ الأبُ كلامَهُ فقالَ: أنتم الآنَ مسؤولونَ مسؤوليةً كاملةً عنِ الدجاجاتِ، وعليكم أنْ تشترُوا لهَا الطعامَ. وقالَ حامدُ: وكيفَ ذلكَ؟ قالَ الأبُ: أقترحُ عليكم أنْ تتفقُوا معَ صاحبِ البقالةِ المجاورةِ علَى أنْ تبيعوهُ ما يحصلُ عندكم منَ البيضِ، ومنْ بعضِ ثمنِ البيضِ تشترونَ الطعامَ للدجاجِ وتدخرونَ الباقِي، ونفذَ الأولادُ نصيحةَ أبيهم، وزادتْ توفيراتهم، فنصحهم أبوهُم بأنْ يشترُوا مزيدًا منَ الدجاجِ، ففعلُوا، وزادتْ كميةُ البيضِ، وأصبحَ الأولادُ يوردونَ البيضَ للبقالاتِ في المنطقةِ، وزادتْ أموالهُم، ونصحهُم أبوهُم بأنْ يستأجرُوا مزرعةً للدواجن، وأنْ يعملُوا في تربيةِ الدجاجِ.

وهكذَا، فقدْ استأجرَ الأولادُ الذينَ أصبحُوا شبابًا مستودعًا كبيرًا في أحدِ البساتينَ القريبة، وحولُوه إلى مدجنةٍ، واشترُوا مئاتِ الصيصانِ الصغيرةِ، وعلفوهَا، واعتنُوا بهَا، حتى أصبحتْ فراريجَ سمينةً، فباعُوها وربحُوا بهَا مالاً وفيرًا، وأعادُوا الكرَّةَ مراتٍ ومراتٍ، وزادَ رأسمالهم، فاشترُوا مزرعةً وبنُوا فيهَا مدجنةً كبيرةً، واشترُوا آلةً لفقسِ الصيصانِ، فمَا كانَ يزيدُ علَى البيعِ منَ البيضِ كانُوا يجعلونَهُ في آلةِ التفقيسِ، فإذَا مضتْ ثمانيةَ عشرَ يومًا فقسَ البيضُ وأخرجَ منْ داخلهِ صيصانًا صغيرة.
لقدْ فتحَ هذَا التطورُ للشبابِ أبوابًا مختلفةً منَ الرزقِ، فإلَى جانبِ بيعِ البيضِ كانُوا يربونَ الصيصانَ حتَّى تصبح فراريجَ فيبعونهَا للأكلِ، كمَا كانُوا يبيعونَ الصيصانَ الصغيرةَ للمداجنِ الأخرَى، وتطورتْ تجارتهم حتَّى أصبحُوا يملكونَ أكبرَ شركةٍ لإنتاجِ البيضِ والفراريج.

وقالَ الأبُ وهوَ يرَى نجاحَ أولادهِ: أرأيتمْ يا أبنائِي كيفَ أنَّ البيضةَ تساوي ليرةً ذهبيةً، وأنا الآنَ مطمئنٌ على مستقبلكم، ولكنْ لي عندكم وصيةٌ، وهي ألا تنقطعُوا عنِ القراءةِ والعلمِ، فأنتم ما وصلتم إلى ما وصلتم إليهِ إلا بالاستعانةِ بما قدمهُ العلمُ لكم. وقالَ الأولادُ: اسمحْ لنَا يا أبي بأنْ